_
الكاتب المصري أحمد طوسون للمجلة الثقافية الجزائرية: الحرية لا تعني الفوضى، الفوضى في وجهة نظري أخطر على الحرية من أعتى الزنازين
الكاتب المصري أحمد طوسون للمجلة الثقافية الجزائرية: الحرية لا تعني الفوضى، الفوضى في وجهة نظري أخطر على الحرية من أعتى الزنازين
الكاتب مدير المجلة. أحمد طوسون، من مواليد 1968، من إصداراته" مراسم عزاء العائلة " (رواية)، مثلما يكتب في مجال القصة، وفي أدب الأطفال. في هذا الحوار، أردنا الاقتراب أكثر من الكاتب، فتحدث عن الحرية وأهميتها الفاعلة والإنسانية لدى الكاتب، وعن القراءة التي تراجعت بشكل كبير لدى الكبار والصغار، مثلما تكلم عن الثورة التي شهدتها وتشهدها مصر والتي يرى الكاتب أنها كانت ضرورية، وأنها نتاج نضالات كثيرة وطويلة ساهم فيها الجميع.. نترككم مع الحوار كاملا:
المجلة الثقافية الجزائرية: لو طلبت من أحمد طوسون ان يتكلم عن نفسه ماذا سيقول؟
أحمد طوسون: أنا وأبناء جيلي من الكتاب والمبدعين ولدت كتاباتنا في مواجهة صعوبات كثيرة، أغلب أبناء جيلي يعيشون في أقاليمهم بعيدا عن العاصمة وكان ما يربطنا بالعاصمة وبوسائل النشر ظرف جواب و طابع بريد.. نحن جيل بلا آباء، ليس بمعنى أننا نتنكر للمنجز الإبداعي للأجيال السابقة، لكن المقصود أن الأجيال السابقة انشغلت بنفسها ونرجسيتها وحرصها أن تظل تستأثر بمواقعها داخل منظومة المؤسسة الثقافية دون أن تساعد موهبة أو تقدم كاتبا جديدا للمشهد. لذا كان البديل أن نلجأ إلى جماعات ثقافية صغيرة تنغلق على إبداعها وكتابتها وتتواصل مع المشهد من خلال طابع بريد. كنت والأصدقاء الشاعر والروائي أحمد قرني والشاعر والروائي أسامة الزيني والشاعر أحمد عبدالباقي نواة جماعتنا الصغيرة بمدينتنا سنورس، ثم اتسعت هذه الجماعة لتشمل باقي الأصدقاء في سنورس و الفيوم.. من خلال هذه الجماعة تشكلت ذائقتنا الأدبية والثقافية، وكان الاعتراف بكتاباتنا من خلال النشر في كبريات الصحف والدوريات الثقافية مصريا وعربيا وحصدنا لمعظم الجوائز العربية والمحلية. تواكب فوزي بجائزة أحسن عمل قصصي من مصر مترجم إلى الإيطالية في مسابقة حوض البحر المتوسط 1997 مع صدور مجموعتي القصصية الأولى " مجرد بيت قديم" 1999والي لاقت صدا واسعا في الأوساط الثقافية المصرية حينها، ثم توالت الجوائز والإصدارات سواء في القصة أو الرواية أو أدب الأطفال. لكن المثقف لا يقف دوره عند ما يقدمه من إبداع، بل يجب أن يتعداه لمرحلة الفعل الثقافي والتأثير في مجتمعه وهو الدور الذي عانينا من غيابه في الحقب الأخيرة عربيا ومصريا.. غاب دور الثقافة فتراجعت المجتمعات العربية وفسدت أنظمة الحكم واستشرى الفساد في باقي الجسد.
المجلة الثقافية الجزائرية: أنت روائي أيضا.. دعني أسألك عن ماهية الرواية بالنسبة لك.. كيف تفهمها وكيف تتعاطى معها؟
أحمد طوسون: يمكن القول ببساطة أن الرواية هي العالم الموازي الأكثر قدرة على منحنا الفرصة لنراقب ونتأمل ونكتشف ونستمتع ونلهو ونحزن، كما أن الرواية كجنس أدبي لها قدرتها على أن تستوعب كافة الأشكال الأدبية والفنية الأخرى، لذا فهي الفن الأكثر إغراء وغواية للكتاب والقراء معا، فهي باستطاعتها أن تمنح لكليهما أكثر من حياة. ويخطئ من يعتقد أن الفنون السردية عكس الشعر تخلو من الموسيقى، الرواية الجيدة في نظري هي من تملك إيقاعا ما، فلا توجد حياة بلا إيقاع، والرواية هي فن الحياة بامتياز، الإيقاع يمنح العمل موسيقى خفية، هذه الموسيقى تمنح الأشياء روحها، وليس المقصود بالموسيقى بالطبع الأوزان الخليلية كما في الشعر، وإنما الموسيقى الداخلية للعمل التي تتوالد من العلاقات بين الشخوص وتكنيك الكتابة ولغة الكاتب وصدقه الفني، هذا الإيقاع يبدو واضحا وجليا في كتابات البساطي السردية سواء القصصية أو الروائية ويمنح شخصياته حيويتها ونبضها الخاص، كذلك الحال في كتابات الكوني ومنيف وبهاء طاهر وأصلان و صبري موسى في رائعته "فساد الأمكنة". بدون الإيقاع تصبح الرواية استنساخا للواقع بلا روح وهذا أبعد ما يكون عن جوهر هذا الفن المراوغ. من هذا المنطلق أدخل إلى عوالم شخصياتي الروائية، البحث عن إيقاعها وموسيقاها الخاصة، أنا لا أحب الدخول في صراع مع شخصياتي، فالشخصية الروائية دائما ما تكون مستعصية أمام كاتبها في صراعهما على صناعة الحدث.. هناك من الكتاب من يريد أن يقود شخصياته إلى مصيرها، أما أنا فأفضل أن أتعايش معها وأعيش معها مصيرنا المحتوم لتمنحني موسيقاها بعفوية.. ربما يبدو ذلك واضحا مع شخصية ( مسعد) في رواية " مراسم عزاء العائلة" حتى رغم التصريح بموته منذ مفتتح الرواية، لكن الإيقاع جعله شخصية تنبض بالحياة وتستشعر معه روح الأشياء.. لكن تلمس الإيقاع في الرواية الواقعية يبدو أكثر سهولة بالمقارنة بعمل آخر ينتمي للواقعية الرمزية كما هو الحال مع شخصية ( عايد) في رواية " تأملات رجل الغرفة" حيث تتولد الموسيقى من إيقاع السرد ذاته الذي يميل إلى أن يكون رتيبا ضاغطا متوافقا مع كابوسية المشهد وحالة التشظي التي يعيشها شخوص العمل.
المجلة الثقافية الجزائرية: لطالما تطرق النقاد إلى أهمية الحرية بالنسبة للمثقف، هل تحققت في مصر الحرية التي من المفترض أن تعطي للمثقف دماء جديدة للمضي بعيدا نحو الإبداع الإنساني الحقيقي وليس المرحلي؟
أحمد طوسون: لا أحد يستطيع أن يهبك حريتك، الحرية تنتزع ولا توهب، ولكي تسترد حريتك لست بحاجة فقط إلى ثورة تحررك من نظام حكم فاشستي لكنك بحاجة أكبر لثورة تحررك من قيودك الخاصة.. كثير من الكتاب والمثقفين والسياسيين كانوا يمتلكون كامل حريتهم في ظل النظام المخلوع رغم اعتقالهم أو مصادرة أعمالهم، لكنك إذا كنت حرا لا يستطيع أحد أن يصادر حريتك حتى وإن كانت أعتى النظم الديكتاتورية، الأحرار الحقيقيون لا يظهرون إلا في ظل الديكتاتوريات، الذين يتخلون عن حريتهم يتخلون عنها طواعية أولا قبل أن تصادرها السلطات.. الآن الصورة ملتبسة.. كثيرون غيروا خطابهم وضاعت الأصوات الحقيقية بين ضجيج المزايدة على الحرية من أجل البحث عن نفس الأدوار التي كانوا يلعبونها مع النظام المخلوع.. الحرية لا تعني الفوضى، الفوضى في وجهة نظري أخطر على الحرية من أعتى الزنازين.. مصر تعيش حالة مخاض من أجل مستقبلها ومستقبل المنطقة.. هذا المستقبل يحتاج إلى حوار هادئ وليس إلى ضجيج ينفض إلى شيء. وبالتالي فالإبداع لا يرتبط بمرحلة ما وسيظل الإبداع الإنساني الحقيقي رهنا بالمبدع سواء عاش تحت وطأة القهر أم في مناخ حر.
المجلة الثقافية الجزائرية: هل تشعر أن المثقف العربي عموما يتمتع حقا بالحرية؟
أحمد طوسون: هذا السؤال بالغ التعقيد لأنه يرتبط بمفهوم الحرية عند المثقف والتي تختلف من مثقف إلى آخر، البعض يرى أن الحرية هي أن يخالف تقاليد وعادات وقيم ثقافته العربية والإسلامية، والبعض الآخر يرى الحرية في التقليد الأعمى للثقافة الغربية دون اعتداد لخصوصية ما لثقافتنا العربية، كما أن المثقف العربي يتعرض لحملات مصادرة من الأنظمة الحاكمة بذات القدر الذي يتعرض فيه لمصادرة أفكاره من القوى الظلامية التي تفشت في مجتمعاتنا بسبب غياب ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر ولعب الحكومات بفهم البعض القاصر للدين لمحاربة قوى التنوير. إن أخطر ما يواجه حرية المثقف العربي عدم وجود لغة مشتركة للحوار بين المثقف العربي وغيره من القوى بتنوعاتها سواء كانت إسلامية أو غيرها لاعتقاد كل طرف من الأطراف باحتكار الرؤى الصحيحة وأن الطرف الآخر يقف على النقيض. كما يلعب الإعلام وبخاصة التلفزيوني دورا في تهميش الدور التنويري للمثقف والرهان على الوجوه السياسية التي تزيد من حدة تطرف الخطاب الإعلامي وتزيد من الفجوة بين القوى المختلفة.
المجلة الثقافية الجزائرية: وماذا تعني الحرية لأحمد طوسون؟ متى تكون كاملة ومتى يكون لها خطوط حمراء لا يتوجب القفز فوقها؟
أحمد طوسون: الحرية هي الحرية، لا أحد يسأل الطيور عن معنى التحليق، لكنك لكي تكون حرا يجب أن تمتلك أجنحة وتستطيع أن تحلق عاليا وأنت لن تستطيع التحليق إلا إذا امتلكت حقوقا أساسية في الحياة، كالحق في التعلم والعمل والعلاج والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة بين البشر دون تمييز بسبب لون أو عرق أودين. لكن لا توجد حرية كاملة، الحرية الكاملة هي الفوضى الكاملة.. الحرية الحقيقية هي النظام.. سيادة القانون على الكافة دون تمييز هو الحد الفاصل ما بين الحرية واللا حرية. في الكتابة الأمر يبدو مختلفا، لكي أكتب يجب أن أكون حرا غير عابئ بكافة القيود أو التابوهات ( وإن كان لا يوجد أحد ينفصل عن قيوده الخاصة التي تصنعها ثقافته الدينية والاجتماعية)، أما الخطوط الحمراء فيحددها كل كاتب لنفسه.. بالنسبة لي خطوطي الحمراء تبدأ ما بعد الكتابة في اختيار أن أنشر ما كتبت أم لا.
المجلة الثقافية الجزائرية: لعل من يقرأ لك يشعر أنك مشغول بهاجس الحرية بمعناها الإنساني، بحيث تتبلور دائما في شخصية كادحة، وحارة، وصادقة. هل قدر المواطن أن يكون كادحا ليكون حارا وشريفا؟
أحمد طوسون: عذابات الإنسان تبدأ حين تحجب عنه القدرة على الحلم، الحلم هو مرادف الحياة، بينما اليأس هو الموت، يكدح البشر عادة من أجل حلم ما قد يكون في معانقة حبيبة أو اللحاق بفرصة عمل أو البحث عن لحظة أمان أو معانقة وطن أو التحليق في سماوات لا تحدها حدود، أنبل ما في الإنسان كدحه للحاق بحلم ما مهما بدا في عين الآخرين بسيطا وعابرا.. حين تفسد الأوطان يكون أول ضحاياها من الشرفاء الكادحين الذين لا يملكون من ثروات الحياة إلا الحلم، رغم ذلك يحاولون حتى حرمانهم من حقهم في الحلم بغياب تكافؤ الفرص وملاحقتهم بالأسوار العالية من كل جانب.. حين يستشري الفساد في نظام ما يطول كل شيء في هذا النظام حتى قيم مجتمعه وتبقى للمواطن الشريف عذاباته ليحافظ على نفسه نقيا بين السلة الفاسدة.
المجلة الثقافية الجزائرية: طيب، حدثني عن احمد طوسون قبل وأثناء وبعد الثورة؟
أحمد طوسون: كنت أخشى قبل الثورة من السيناريو الذي يمكن أن يحدث إن سار النظام في غيه وسلك درب التوريث، كنا نخشى من فوضى هائلة تحطم كل شيء، لكن في الثامن والعشرين من يناير تبدد ذلك الخوف، وصرت أكثر إيمانا بقدرة هذا الشعب ورقيه.. في الثامن والعشرين من يناير سقط نظام مبارك فعليا وانتهت منظومة الأمن باختفاء الشرطة ورغم الرعب الذي كان يحاول جهاز الإعلام الرسمي بثه إلا أن الشوارع كانت آمنة وتشكلت لجان شعبية لمواجهة البلطجية الذين أطلقتهم الشرطة إلى الشوارع.. أحداث الثورة والأيام التي تلتها تجعلني واثقا من قدرة هذا الشعب على تصحيح المسار برغم المحاولات المستميتة للقوى المناهضة للثورة التي تحاول إعادة إنتاج النظام القديم بدون مبارك ورموزه.
المجلة الثقافية الجزائرية: ثمة من يقول أن نجاح الثورة يجب ان يكون بوصول شباب وطني ومبدع إلى السلطة، تماما كما فجر الثورة شباب وطني ومبدع.. ما رأيك؟
أحمد طوسون: بالطبع.. أنا أتفق تماما مع هذه الرؤية، شاخت هذه الأمة حين شاخ حكامها وترهلت كروشهم على مقاعدها الوثيرة.. نحتاج إلى دماء شابة تضج بالحيوية وروح المغامرة والحلم.. لقد قضوا على أجيال وأجيال من الشباب المبدع بإقصائهم بعيدا وتمسك الكهول بكل منافذ السلطة والحياة في بلادنا.. نحتاج إلى روح الشباب وطاقتهم على الحلم والعمل لتعود بلادنا شابة فتية.
المجلة الثقافية الجزائرية: سأعود إليك.. تكتب الرواية، كما تكتب أدبا موجها إلى الطفل، وهما مجالان مختلفان تماما من حيث التعاطي مع قارئ الرواية كقارئ راشد، ومع الطفل كقارئ صغير.. كيف تستطيع ان تحافظ على عوالمك الأدبية روائيا وعلى خصوصية كتاباتك للطفل من حيث الفكر والأسلوب والنوع والأجواء؟
أحمد طوسون: الأمر بالتأكيد يحتاج إلى جهد ما، لكن ما يساعدني على التنقل بين الكتابة القصصية والروائية وما بين الكتابة للطفل أنني أكتب بمنطق الهواية، بمعنى أنني لا أكتب إلا تحت إلحاح حالة ما، وبالتالي الكتابة تفرض عليّ شكلها ونوعها وخصوصيتها.. كما أن للكتابة الموجهة للأطفال متعة ما مختلفة فهي تستدعي الطفل الكامن داخلنا بما يملكه من عفوية وبساطة ورغبة أكيدة ودائمة لممارسة اللعب على الورق ، وهو جوهر الفن في وجهة نظري.. الإشكالية تنشأ عند من ينظرون إلى أدب الطفل باعتباره أدب تعليمي، لكن النظر إليه باعتباره فن يتوجه إلى قارئ ذكي ( أكثر ذكاء أحيانا من القارئ الراشد) لن يضعنا أمام هذه الإشكالية.. الكاتب بقدرته الكتابة في كل الأنواع والأشكال الأدبية والتنقل بينها وفق قدراته واختياراته دون مشكلة.
المجلة الثقافية الجزائرية: كيف تفسر تراجع الأدب الموجه إلى الطفل أمام برمجيات تبدو خطيرة أكثر مما هي نافعة؟
أحمد طوسون: التراجع في وجهة نظري ليس بسبب ظهور البرمجيات ووسائل الميديا الأخرى، إنما التراجع مرجعه الأساسي بسبب عدم اهتمام مؤسساتنا الثقافية الحكومية والخاصة بفنون الطفل وآدابه، وتمسك البعض ممن يقود هذه المؤسسات_ إن وجدت_ بالمفهوم القديم والتقليدي لأدب الطفل.. كما أنه من الضروري للارتقاء بفنون الطفل وآدابه ارتباط العملية التعليمية وبخاصة في مراحل رياض الأطفال والتعليم الأساسي بالمؤسسات التي تعتني بالكتابة للطفل وأن يحدث تنسيق ما وفق إستراتيجية يساهم في وضعها الكتاب والرسامون والفنانون المهتمون بأدب الطفل وفنونه.. وأن يساهم رجال الأعمال العرب والمؤسسات الأهلية في دعم الاهتمام بآداب الطفل وفنونه من أجل مستقبل أجيال هذه الأمة.. كما من المهم أن نوفر البرمجيات والميديا الموجهة للأطفال التي تولد من رحم قيم ثقافتنا العربية والإسلامية وفي الشكل والطبيعة الجاذبة لاهتمام الطفل بما لا يقل عما يأتينا من ثقافات أخرى تتعارض ما تبثه من قيم مع قيم مجتمعنا.
المجلة الثقافية الجزائرية: لعل أخطر ما نراه هو تحويل التكنولوجيا إلى وسيلة ترفيه أكثر مما هي وسيلة تواصل فكري حقيقي وبناء، مما جعل آليات العصر تقتل ثقافة القراءة منذ سن مبكر.. ما رأيك؟
أحمد طوسون: قد تبدو الصورة في أحد وجوهها سلبية، لكن علينا ألا نغفل دور التكنولوجيا في المعلوماتية، وأن ننتبه إلى دور وتأثير التكنولوجيا في نشر الوعي لدى المواطن البسيط ودور التكنولوجيا وأثرها في ثورات الربيع العربي وما سوف تحدثه من تغير في خريطة العالم وما يمكن أن تتوقعه من ثورات في مناطق أخرى من العالم. كما أنه على عكس ما هو متداول عن تأثير التكنولوجيا السلبي على ثقافة القراءة تشهد سوق النشر رواجا في السنوات الأخير ساعد عليه في ظني التطور التكنولوجي ووسائل المعرفة الحديثة.. كما أننا نغفل أن ثقافة القراءة لم تعد تقتصر على الكتاب الورقي وأصبحت هناك بدائل تكنولوجية أخرى ساهمت على العكس في زيادة هذه الثقافة ولكن بشكل مختلف، وعلينا أن نعترف أن للثقافة أكثر من رافد كلها في النهاية تنمي لدى الطفل الرغبة في المعرفة التي ستقوده حتما إلى ثقافة القراءة.
المجلة الثقافية الجزائرية: وكيف تفسر تراجع القراءة لدى الكبار أيضا؟ ولدى المثقفين أنفسهم الذين لا يقرأون لبعضهم في كثير من الأحيان؟
أحمد طوسون: دعنا نعترف أولا بالتأثير السلبي لغياب حالة نقدية مواكبة لما يصدر من إبداع ترشح وتحفز القارئ على المتابعة والاختيار في ظل صدور عدد مهول من الإصدارات ووجود عدد كبير من العناوين التي تصدر عن مؤسسات عامة وخاصة دون الاعتناء بفكرة الإعلان والتسويق، دون إغفال تأثير وسائل الميديا والاتصال الحديثة التي أصبحت تلتهم الوقت.. كما يجب أن تلحظ أن الأحداث الكبرى كالحروب والثورات والقضايا العامة التي تجتذب الناس تجعلهم ينصرفون عن القراءة لمتابعة ما يحدث في ظل بث مباشر للأحداث لحظة بلحظة.. لكن السبب الأهم في نظري لتراجع القراءة أن المجتمعات العربية لا تقدر المثقف وتعطيه المكانة اللائقة به في ظل سيادة ثقافة الاستهلاك والابتذال السائدة وأصبح النموذج الذي يراود الشباب لإحداث التغير الاجتماعي الذي ينشده في حياته أن يصبح لاعب كرة أو فنان أغان هابطة ليحقق الملايين التي يسمع عنها كل يوم أمام شاشات الفضائيات.. أما بالنسبة للكتاب والمثقفين أنفسهم فكثير منهم مشغول بنفسه وإبداعه ونرجسيته القاتلة طيلة الوقت مما يجعله لا يرى إلا وجهه في المرآة، لكن هؤلاء يكتبون بأيديهم شهادة وفاتهم إبداعيا!
المجلة الثقافية الجزائرية: وكيف يقرأ أحمد طوسون زملاءه الكتاب في مصر، وفي الوطن العربي؟
أحمد طوسون: المشهد الإبداعي في مصر والوطن العربي ثري ومتنوع، وهناك الكثير من المواهب والأصوات الجديدة المتميزة، لكن ما تعاني منه الساحة الثقافية غياب النقد المواكب للحركة الإبداعية.. وما يلفت الانتباه بشدة وفرة الكتابات النسائية المتميزة خاصة في مجال السرد.
المجلة الثقافية الجزائرية: وما مدى اقترابك من الأدب الجزائري ؟
أحمد طوسون: هناك الكثير من الأسماء الجزائرية التي قرأت لها كالطاهر وطار ومالك حداد وواسيني الأعرج وفضيلة الفاروق وأحلام مستغانمي، بخلاف ما يصلني من نصوص لكتاب جزائريين متميزين لنشره بالمدونة.
المجلة الثقافية الجزائرية: ماذا تقرأ الآن؟
أحمد طوسون: أعكف على قراءة عدد من الأعمال الروائية والإبداعية التي صدرت حديثا في مصر لأسماء شابة.
المجلة الثقافية الجزائرية: ماذا تكتب؟
أحمد طوسون: أعكف منذ عامين على كتابة رواية جديدة تتناول الوضع السياسي والثقافي المصري في حقبة التسعينات، لكن الأحداث الجارية بعد ثورة 25 يناير جعلتني أتوقف، ربما لأن الأوضاع في مصر تشد كل حواسنا تجاهها.
المجلة الثقافية الجزائرية: كلمة أخيرة؟
أحمد طوسون: تحية محبة لبلد المليون شهيد وأهلها.
الكاتب المصري أحمد طوسون للمجلة الثقافية الجزائرية: الحرية لا تعني الفوضى، الفوضى في وجهة نظري أخطر على الحرية من أعتى الزنازين
الكاتب المصري أحمد طوسون للمجلة الثقافية الجزائرية: الحرية لا تعني الفوضى، الفوضى في وجهة نظري أخطر على الحرية من أعتى الزنازين
الكاتب مدير المجلة. أحمد طوسون، من مواليد 1968، من إصداراته" مراسم عزاء العائلة " (رواية)، مثلما يكتب في مجال القصة، وفي أدب الأطفال. في هذا الحوار، أردنا الاقتراب أكثر من الكاتب، فتحدث عن الحرية وأهميتها الفاعلة والإنسانية لدى الكاتب، وعن القراءة التي تراجعت بشكل كبير لدى الكبار والصغار، مثلما تكلم عن الثورة التي شهدتها وتشهدها مصر والتي يرى الكاتب أنها كانت ضرورية، وأنها نتاج نضالات كثيرة وطويلة ساهم فيها الجميع.. نترككم مع الحوار كاملا:
المجلة الثقافية الجزائرية: لو طلبت من أحمد طوسون ان يتكلم عن نفسه ماذا سيقول؟
أحمد طوسون: أنا وأبناء جيلي من الكتاب والمبدعين ولدت كتاباتنا في مواجهة صعوبات كثيرة، أغلب أبناء جيلي يعيشون في أقاليمهم بعيدا عن العاصمة وكان ما يربطنا بالعاصمة وبوسائل النشر ظرف جواب و طابع بريد.. نحن جيل بلا آباء، ليس بمعنى أننا نتنكر للمنجز الإبداعي للأجيال السابقة، لكن المقصود أن الأجيال السابقة انشغلت بنفسها ونرجسيتها وحرصها أن تظل تستأثر بمواقعها داخل منظومة المؤسسة الثقافية دون أن تساعد موهبة أو تقدم كاتبا جديدا للمشهد. لذا كان البديل أن نلجأ إلى جماعات ثقافية صغيرة تنغلق على إبداعها وكتابتها وتتواصل مع المشهد من خلال طابع بريد. كنت والأصدقاء الشاعر والروائي أحمد قرني والشاعر والروائي أسامة الزيني والشاعر أحمد عبدالباقي نواة جماعتنا الصغيرة بمدينتنا سنورس، ثم اتسعت هذه الجماعة لتشمل باقي الأصدقاء في سنورس و الفيوم.. من خلال هذه الجماعة تشكلت ذائقتنا الأدبية والثقافية، وكان الاعتراف بكتاباتنا من خلال النشر في كبريات الصحف والدوريات الثقافية مصريا وعربيا وحصدنا لمعظم الجوائز العربية والمحلية. تواكب فوزي بجائزة أحسن عمل قصصي من مصر مترجم إلى الإيطالية في مسابقة حوض البحر المتوسط 1997 مع صدور مجموعتي القصصية الأولى " مجرد بيت قديم" 1999والي لاقت صدا واسعا في الأوساط الثقافية المصرية حينها، ثم توالت الجوائز والإصدارات سواء في القصة أو الرواية أو أدب الأطفال. لكن المثقف لا يقف دوره عند ما يقدمه من إبداع، بل يجب أن يتعداه لمرحلة الفعل الثقافي والتأثير في مجتمعه وهو الدور الذي عانينا من غيابه في الحقب الأخيرة عربيا ومصريا.. غاب دور الثقافة فتراجعت المجتمعات العربية وفسدت أنظمة الحكم واستشرى الفساد في باقي الجسد.
المجلة الثقافية الجزائرية: أنت روائي أيضا.. دعني أسألك عن ماهية الرواية بالنسبة لك.. كيف تفهمها وكيف تتعاطى معها؟
أحمد طوسون: يمكن القول ببساطة أن الرواية هي العالم الموازي الأكثر قدرة على منحنا الفرصة لنراقب ونتأمل ونكتشف ونستمتع ونلهو ونحزن، كما أن الرواية كجنس أدبي لها قدرتها على أن تستوعب كافة الأشكال الأدبية والفنية الأخرى، لذا فهي الفن الأكثر إغراء وغواية للكتاب والقراء معا، فهي باستطاعتها أن تمنح لكليهما أكثر من حياة. ويخطئ من يعتقد أن الفنون السردية عكس الشعر تخلو من الموسيقى، الرواية الجيدة في نظري هي من تملك إيقاعا ما، فلا توجد حياة بلا إيقاع، والرواية هي فن الحياة بامتياز، الإيقاع يمنح العمل موسيقى خفية، هذه الموسيقى تمنح الأشياء روحها، وليس المقصود بالموسيقى بالطبع الأوزان الخليلية كما في الشعر، وإنما الموسيقى الداخلية للعمل التي تتوالد من العلاقات بين الشخوص وتكنيك الكتابة ولغة الكاتب وصدقه الفني، هذا الإيقاع يبدو واضحا وجليا في كتابات البساطي السردية سواء القصصية أو الروائية ويمنح شخصياته حيويتها ونبضها الخاص، كذلك الحال في كتابات الكوني ومنيف وبهاء طاهر وأصلان و صبري موسى في رائعته "فساد الأمكنة". بدون الإيقاع تصبح الرواية استنساخا للواقع بلا روح وهذا أبعد ما يكون عن جوهر هذا الفن المراوغ. من هذا المنطلق أدخل إلى عوالم شخصياتي الروائية، البحث عن إيقاعها وموسيقاها الخاصة، أنا لا أحب الدخول في صراع مع شخصياتي، فالشخصية الروائية دائما ما تكون مستعصية أمام كاتبها في صراعهما على صناعة الحدث.. هناك من الكتاب من يريد أن يقود شخصياته إلى مصيرها، أما أنا فأفضل أن أتعايش معها وأعيش معها مصيرنا المحتوم لتمنحني موسيقاها بعفوية.. ربما يبدو ذلك واضحا مع شخصية ( مسعد) في رواية " مراسم عزاء العائلة" حتى رغم التصريح بموته منذ مفتتح الرواية، لكن الإيقاع جعله شخصية تنبض بالحياة وتستشعر معه روح الأشياء.. لكن تلمس الإيقاع في الرواية الواقعية يبدو أكثر سهولة بالمقارنة بعمل آخر ينتمي للواقعية الرمزية كما هو الحال مع شخصية ( عايد) في رواية " تأملات رجل الغرفة" حيث تتولد الموسيقى من إيقاع السرد ذاته الذي يميل إلى أن يكون رتيبا ضاغطا متوافقا مع كابوسية المشهد وحالة التشظي التي يعيشها شخوص العمل.
المجلة الثقافية الجزائرية: لطالما تطرق النقاد إلى أهمية الحرية بالنسبة للمثقف، هل تحققت في مصر الحرية التي من المفترض أن تعطي للمثقف دماء جديدة للمضي بعيدا نحو الإبداع الإنساني الحقيقي وليس المرحلي؟
أحمد طوسون: لا أحد يستطيع أن يهبك حريتك، الحرية تنتزع ولا توهب، ولكي تسترد حريتك لست بحاجة فقط إلى ثورة تحررك من نظام حكم فاشستي لكنك بحاجة أكبر لثورة تحررك من قيودك الخاصة.. كثير من الكتاب والمثقفين والسياسيين كانوا يمتلكون كامل حريتهم في ظل النظام المخلوع رغم اعتقالهم أو مصادرة أعمالهم، لكنك إذا كنت حرا لا يستطيع أحد أن يصادر حريتك حتى وإن كانت أعتى النظم الديكتاتورية، الأحرار الحقيقيون لا يظهرون إلا في ظل الديكتاتوريات، الذين يتخلون عن حريتهم يتخلون عنها طواعية أولا قبل أن تصادرها السلطات.. الآن الصورة ملتبسة.. كثيرون غيروا خطابهم وضاعت الأصوات الحقيقية بين ضجيج المزايدة على الحرية من أجل البحث عن نفس الأدوار التي كانوا يلعبونها مع النظام المخلوع.. الحرية لا تعني الفوضى، الفوضى في وجهة نظري أخطر على الحرية من أعتى الزنازين.. مصر تعيش حالة مخاض من أجل مستقبلها ومستقبل المنطقة.. هذا المستقبل يحتاج إلى حوار هادئ وليس إلى ضجيج ينفض إلى شيء. وبالتالي فالإبداع لا يرتبط بمرحلة ما وسيظل الإبداع الإنساني الحقيقي رهنا بالمبدع سواء عاش تحت وطأة القهر أم في مناخ حر.
المجلة الثقافية الجزائرية: هل تشعر أن المثقف العربي عموما يتمتع حقا بالحرية؟
أحمد طوسون: هذا السؤال بالغ التعقيد لأنه يرتبط بمفهوم الحرية عند المثقف والتي تختلف من مثقف إلى آخر، البعض يرى أن الحرية هي أن يخالف تقاليد وعادات وقيم ثقافته العربية والإسلامية، والبعض الآخر يرى الحرية في التقليد الأعمى للثقافة الغربية دون اعتداد لخصوصية ما لثقافتنا العربية، كما أن المثقف العربي يتعرض لحملات مصادرة من الأنظمة الحاكمة بذات القدر الذي يتعرض فيه لمصادرة أفكاره من القوى الظلامية التي تفشت في مجتمعاتنا بسبب غياب ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر ولعب الحكومات بفهم البعض القاصر للدين لمحاربة قوى التنوير. إن أخطر ما يواجه حرية المثقف العربي عدم وجود لغة مشتركة للحوار بين المثقف العربي وغيره من القوى بتنوعاتها سواء كانت إسلامية أو غيرها لاعتقاد كل طرف من الأطراف باحتكار الرؤى الصحيحة وأن الطرف الآخر يقف على النقيض. كما يلعب الإعلام وبخاصة التلفزيوني دورا في تهميش الدور التنويري للمثقف والرهان على الوجوه السياسية التي تزيد من حدة تطرف الخطاب الإعلامي وتزيد من الفجوة بين القوى المختلفة.
المجلة الثقافية الجزائرية: وماذا تعني الحرية لأحمد طوسون؟ متى تكون كاملة ومتى يكون لها خطوط حمراء لا يتوجب القفز فوقها؟
أحمد طوسون: الحرية هي الحرية، لا أحد يسأل الطيور عن معنى التحليق، لكنك لكي تكون حرا يجب أن تمتلك أجنحة وتستطيع أن تحلق عاليا وأنت لن تستطيع التحليق إلا إذا امتلكت حقوقا أساسية في الحياة، كالحق في التعلم والعمل والعلاج والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة بين البشر دون تمييز بسبب لون أو عرق أودين. لكن لا توجد حرية كاملة، الحرية الكاملة هي الفوضى الكاملة.. الحرية الحقيقية هي النظام.. سيادة القانون على الكافة دون تمييز هو الحد الفاصل ما بين الحرية واللا حرية. في الكتابة الأمر يبدو مختلفا، لكي أكتب يجب أن أكون حرا غير عابئ بكافة القيود أو التابوهات ( وإن كان لا يوجد أحد ينفصل عن قيوده الخاصة التي تصنعها ثقافته الدينية والاجتماعية)، أما الخطوط الحمراء فيحددها كل كاتب لنفسه.. بالنسبة لي خطوطي الحمراء تبدأ ما بعد الكتابة في اختيار أن أنشر ما كتبت أم لا.
المجلة الثقافية الجزائرية: لعل من يقرأ لك يشعر أنك مشغول بهاجس الحرية بمعناها الإنساني، بحيث تتبلور دائما في شخصية كادحة، وحارة، وصادقة. هل قدر المواطن أن يكون كادحا ليكون حارا وشريفا؟
أحمد طوسون: عذابات الإنسان تبدأ حين تحجب عنه القدرة على الحلم، الحلم هو مرادف الحياة، بينما اليأس هو الموت، يكدح البشر عادة من أجل حلم ما قد يكون في معانقة حبيبة أو اللحاق بفرصة عمل أو البحث عن لحظة أمان أو معانقة وطن أو التحليق في سماوات لا تحدها حدود، أنبل ما في الإنسان كدحه للحاق بحلم ما مهما بدا في عين الآخرين بسيطا وعابرا.. حين تفسد الأوطان يكون أول ضحاياها من الشرفاء الكادحين الذين لا يملكون من ثروات الحياة إلا الحلم، رغم ذلك يحاولون حتى حرمانهم من حقهم في الحلم بغياب تكافؤ الفرص وملاحقتهم بالأسوار العالية من كل جانب.. حين يستشري الفساد في نظام ما يطول كل شيء في هذا النظام حتى قيم مجتمعه وتبقى للمواطن الشريف عذاباته ليحافظ على نفسه نقيا بين السلة الفاسدة.
المجلة الثقافية الجزائرية: طيب، حدثني عن احمد طوسون قبل وأثناء وبعد الثورة؟
أحمد طوسون: كنت أخشى قبل الثورة من السيناريو الذي يمكن أن يحدث إن سار النظام في غيه وسلك درب التوريث، كنا نخشى من فوضى هائلة تحطم كل شيء، لكن في الثامن والعشرين من يناير تبدد ذلك الخوف، وصرت أكثر إيمانا بقدرة هذا الشعب ورقيه.. في الثامن والعشرين من يناير سقط نظام مبارك فعليا وانتهت منظومة الأمن باختفاء الشرطة ورغم الرعب الذي كان يحاول جهاز الإعلام الرسمي بثه إلا أن الشوارع كانت آمنة وتشكلت لجان شعبية لمواجهة البلطجية الذين أطلقتهم الشرطة إلى الشوارع.. أحداث الثورة والأيام التي تلتها تجعلني واثقا من قدرة هذا الشعب على تصحيح المسار برغم المحاولات المستميتة للقوى المناهضة للثورة التي تحاول إعادة إنتاج النظام القديم بدون مبارك ورموزه.
المجلة الثقافية الجزائرية: ثمة من يقول أن نجاح الثورة يجب ان يكون بوصول شباب وطني ومبدع إلى السلطة، تماما كما فجر الثورة شباب وطني ومبدع.. ما رأيك؟
أحمد طوسون: بالطبع.. أنا أتفق تماما مع هذه الرؤية، شاخت هذه الأمة حين شاخ حكامها وترهلت كروشهم على مقاعدها الوثيرة.. نحتاج إلى دماء شابة تضج بالحيوية وروح المغامرة والحلم.. لقد قضوا على أجيال وأجيال من الشباب المبدع بإقصائهم بعيدا وتمسك الكهول بكل منافذ السلطة والحياة في بلادنا.. نحتاج إلى روح الشباب وطاقتهم على الحلم والعمل لتعود بلادنا شابة فتية.
المجلة الثقافية الجزائرية: سأعود إليك.. تكتب الرواية، كما تكتب أدبا موجها إلى الطفل، وهما مجالان مختلفان تماما من حيث التعاطي مع قارئ الرواية كقارئ راشد، ومع الطفل كقارئ صغير.. كيف تستطيع ان تحافظ على عوالمك الأدبية روائيا وعلى خصوصية كتاباتك للطفل من حيث الفكر والأسلوب والنوع والأجواء؟
أحمد طوسون: الأمر بالتأكيد يحتاج إلى جهد ما، لكن ما يساعدني على التنقل بين الكتابة القصصية والروائية وما بين الكتابة للطفل أنني أكتب بمنطق الهواية، بمعنى أنني لا أكتب إلا تحت إلحاح حالة ما، وبالتالي الكتابة تفرض عليّ شكلها ونوعها وخصوصيتها.. كما أن للكتابة الموجهة للأطفال متعة ما مختلفة فهي تستدعي الطفل الكامن داخلنا بما يملكه من عفوية وبساطة ورغبة أكيدة ودائمة لممارسة اللعب على الورق ، وهو جوهر الفن في وجهة نظري.. الإشكالية تنشأ عند من ينظرون إلى أدب الطفل باعتباره أدب تعليمي، لكن النظر إليه باعتباره فن يتوجه إلى قارئ ذكي ( أكثر ذكاء أحيانا من القارئ الراشد) لن يضعنا أمام هذه الإشكالية.. الكاتب بقدرته الكتابة في كل الأنواع والأشكال الأدبية والتنقل بينها وفق قدراته واختياراته دون مشكلة.
المجلة الثقافية الجزائرية: كيف تفسر تراجع الأدب الموجه إلى الطفل أمام برمجيات تبدو خطيرة أكثر مما هي نافعة؟
أحمد طوسون: التراجع في وجهة نظري ليس بسبب ظهور البرمجيات ووسائل الميديا الأخرى، إنما التراجع مرجعه الأساسي بسبب عدم اهتمام مؤسساتنا الثقافية الحكومية والخاصة بفنون الطفل وآدابه، وتمسك البعض ممن يقود هذه المؤسسات_ إن وجدت_ بالمفهوم القديم والتقليدي لأدب الطفل.. كما أنه من الضروري للارتقاء بفنون الطفل وآدابه ارتباط العملية التعليمية وبخاصة في مراحل رياض الأطفال والتعليم الأساسي بالمؤسسات التي تعتني بالكتابة للطفل وأن يحدث تنسيق ما وفق إستراتيجية يساهم في وضعها الكتاب والرسامون والفنانون المهتمون بأدب الطفل وفنونه.. وأن يساهم رجال الأعمال العرب والمؤسسات الأهلية في دعم الاهتمام بآداب الطفل وفنونه من أجل مستقبل أجيال هذه الأمة.. كما من المهم أن نوفر البرمجيات والميديا الموجهة للأطفال التي تولد من رحم قيم ثقافتنا العربية والإسلامية وفي الشكل والطبيعة الجاذبة لاهتمام الطفل بما لا يقل عما يأتينا من ثقافات أخرى تتعارض ما تبثه من قيم مع قيم مجتمعنا.
المجلة الثقافية الجزائرية: لعل أخطر ما نراه هو تحويل التكنولوجيا إلى وسيلة ترفيه أكثر مما هي وسيلة تواصل فكري حقيقي وبناء، مما جعل آليات العصر تقتل ثقافة القراءة منذ سن مبكر.. ما رأيك؟
أحمد طوسون: قد تبدو الصورة في أحد وجوهها سلبية، لكن علينا ألا نغفل دور التكنولوجيا في المعلوماتية، وأن ننتبه إلى دور وتأثير التكنولوجيا في نشر الوعي لدى المواطن البسيط ودور التكنولوجيا وأثرها في ثورات الربيع العربي وما سوف تحدثه من تغير في خريطة العالم وما يمكن أن تتوقعه من ثورات في مناطق أخرى من العالم. كما أنه على عكس ما هو متداول عن تأثير التكنولوجيا السلبي على ثقافة القراءة تشهد سوق النشر رواجا في السنوات الأخير ساعد عليه في ظني التطور التكنولوجي ووسائل المعرفة الحديثة.. كما أننا نغفل أن ثقافة القراءة لم تعد تقتصر على الكتاب الورقي وأصبحت هناك بدائل تكنولوجية أخرى ساهمت على العكس في زيادة هذه الثقافة ولكن بشكل مختلف، وعلينا أن نعترف أن للثقافة أكثر من رافد كلها في النهاية تنمي لدى الطفل الرغبة في المعرفة التي ستقوده حتما إلى ثقافة القراءة.
المجلة الثقافية الجزائرية: وكيف تفسر تراجع القراءة لدى الكبار أيضا؟ ولدى المثقفين أنفسهم الذين لا يقرأون لبعضهم في كثير من الأحيان؟
أحمد طوسون: دعنا نعترف أولا بالتأثير السلبي لغياب حالة نقدية مواكبة لما يصدر من إبداع ترشح وتحفز القارئ على المتابعة والاختيار في ظل صدور عدد مهول من الإصدارات ووجود عدد كبير من العناوين التي تصدر عن مؤسسات عامة وخاصة دون الاعتناء بفكرة الإعلان والتسويق، دون إغفال تأثير وسائل الميديا والاتصال الحديثة التي أصبحت تلتهم الوقت.. كما يجب أن تلحظ أن الأحداث الكبرى كالحروب والثورات والقضايا العامة التي تجتذب الناس تجعلهم ينصرفون عن القراءة لمتابعة ما يحدث في ظل بث مباشر للأحداث لحظة بلحظة.. لكن السبب الأهم في نظري لتراجع القراءة أن المجتمعات العربية لا تقدر المثقف وتعطيه المكانة اللائقة به في ظل سيادة ثقافة الاستهلاك والابتذال السائدة وأصبح النموذج الذي يراود الشباب لإحداث التغير الاجتماعي الذي ينشده في حياته أن يصبح لاعب كرة أو فنان أغان هابطة ليحقق الملايين التي يسمع عنها كل يوم أمام شاشات الفضائيات.. أما بالنسبة للكتاب والمثقفين أنفسهم فكثير منهم مشغول بنفسه وإبداعه ونرجسيته القاتلة طيلة الوقت مما يجعله لا يرى إلا وجهه في المرآة، لكن هؤلاء يكتبون بأيديهم شهادة وفاتهم إبداعيا!
المجلة الثقافية الجزائرية: وكيف يقرأ أحمد طوسون زملاءه الكتاب في مصر، وفي الوطن العربي؟
أحمد طوسون: المشهد الإبداعي في مصر والوطن العربي ثري ومتنوع، وهناك الكثير من المواهب والأصوات الجديدة المتميزة، لكن ما تعاني منه الساحة الثقافية غياب النقد المواكب للحركة الإبداعية.. وما يلفت الانتباه بشدة وفرة الكتابات النسائية المتميزة خاصة في مجال السرد.
المجلة الثقافية الجزائرية: وما مدى اقترابك من الأدب الجزائري ؟
أحمد طوسون: هناك الكثير من الأسماء الجزائرية التي قرأت لها كالطاهر وطار ومالك حداد وواسيني الأعرج وفضيلة الفاروق وأحلام مستغانمي، بخلاف ما يصلني من نصوص لكتاب جزائريين متميزين لنشره بالمدونة.
المجلة الثقافية الجزائرية: ماذا تقرأ الآن؟
أحمد طوسون: أعكف على قراءة عدد من الأعمال الروائية والإبداعية التي صدرت حديثا في مصر لأسماء شابة.
المجلة الثقافية الجزائرية: ماذا تكتب؟
أحمد طوسون: أعكف منذ عامين على كتابة رواية جديدة تتناول الوضع السياسي والثقافي المصري في حقبة التسعينات، لكن الأحداث الجارية بعد ثورة 25 يناير جعلتني أتوقف، ربما لأن الأوضاع في مصر تشد كل حواسنا تجاهها.
المجلة الثقافية الجزائرية: كلمة أخيرة؟
أحمد طوسون: تحية محبة لبلد المليون شهيد وأهلها.